الجذور الشرقية والحب تجاه روسيا

الصورة الرئيسية للمقالة

تجري رابطة الخريجين العالمية سلسلة من المقابلات المرئية المثيرة للإهتمام مع خريجي الجامعات السوفيتية والروسية، الذين حققوا نجاحاً كبيراً في روسيا أو في بلادهم. حيثُ يُشارك ممثلون عن الحكومة، وسفراء، وشخصيات سياسية أو من الشخصيات العامة والمدرسون خبراتهم ويقدمون المشورة ويتحدثون عن خصوصيات النشاط المهني في مختلف المجالات. كل هذا مثيرٌ للإهتمام، وبشكلٍ خاص للشباب الذين بدأوا للتوِ حياتهم الطلابية وحياتهم المهنية في روسيا.

يفتحُ التعليم الذي يتم الحصول عليه في روسيا فرصاً كبيرة لمزيد من النمو المهني في بلدنا وفي الخارج. الخروج من جدران جامعاتهم التي درسوا فيها، إذ يُقررُ بعض المواطنين الأجانب ربط مصيرهم المستقبلي مع روسيا، وبعضهم يُغادرُ إلى بلادهم كمتخصصين ممتازين.

يتمُ تنفيذ مشروع خريجي وسائل الإعلام الروسية من قبل رابطة الخريجين العالمية لمؤسسات التعليم العالي بدعم من صندوق المنح الدراسية التي تصدرُ من هيئة الرئاسة، ووزارة الخارجية، ووزارة التعليم والعلوم في روسيا، والوكالات الإتحادية "هيئة التعاون الروسية" ورابطة "الشباب الروسي".

ياسر عقل، بدون أي تردد، يعتقدُ بأنه إنسانٌ روسيٌ، على الرغمِ من حقيقةِ أن والدهُ هو سوري الجنسية وأُمَهُ من داغستان. قضى ياسر مُعظمَ حياتهِ في روسيا. الشباب، والتعليم، والحب الأول، والنمو، والحكمة - كل هذا مرتبطٌ ببلدنا. حتى أنه سمى إبنه الأصغر بإسم روسي هو ياروسلاف. ولذلك، ووفقاً لبطلنا الذي نتحدثُ عنه اليوم، يُشيدُ ويفتخرُ بالناس، وبالمجتمع الذي كان يحميهِ طوالَ فترةِ 38 عاماً.

ياسر هشام عقل, سوريا. تخرج من معهد لينينغراد للصحة والنظافة الطبية في عام (1990 ميلادية). هو طبيب، يعملُ مُدرساً في قسم اللغة العربية في كلية الدراسات الشرقية في جامعة سانت بطرس بورغ الحكومية، مترجم.

أحبوا دراستكم والمواد الدراسية، أحبوا مهنتكم المستقبلية. تخيلوا ذلك جيداً من أجل معرفة إلى أين ستذهبون، لماذا كل هذا يجبُ القيامَ به. ليس من الضروري أن تصبح كما تخيلتهُ سابقاً. كما تُظهرُ التجربة، يُمكنُ أن تتباعد المسَّارات عن الأحلامِ. لكن يجبُ أن يكون العَرْضُ منارةً تُشير وتُنيرُ لك الطريق.

للدراسة في روسيا

منذ الطفولة، عَرِفَ ياسر عقل بالضبط أين سيذهبُ للدراسة - أصبحَ والديهِ مثالاً له. وعلاوةً على ذلك، عندما كان طفلاً صغيراً، كان قد زارَ بالفعلِ بلداً لا يزالُ غامضاً بالنسبةِ له.

- لم يكن لديَّ أدنى شك في أنني بعد أن أنتهي من دراستي في المدرسة سأغادرُ سوريا مُتوجهاً إلى روسيا. إذ أنني عِشْتُ هذا الحُلُمَ. تمكنتُ من إعادةِ قراءة جميعِ الكلاسيكيات الرئيسية عن العصر الذهبي باللغة العربية، لأنني لم أتحدث آنذاكَ باللغة الروسية.

إذ أنهُ لا يُمكنُ تشكيلَ أي فكرة عن البلد من خلال القصصِ والكتبِ. لقد زُرتُ بالفعل الإتحادَ السوفيتي - مع أقارب والدتي في ماخاتشكالا (محج قلعة) وعدة مرات زُرتُ مدينة موسكو. لكنَّ هذه كانت هي إنطباعات لدى طفلٍ صغير جاءَ ليعيشَ مع جدتهِ في فصل الصيف. أصبح الإتحاد السوفيتي حيثُ سافرتُ للدراسةِ فيه الذي وَجدتُهُ عَالَمَاً مُختلفاً تماماً بالنسبةِ لي. الحياة الطلابية والحياة في مباني السكن الجامعي الطلابي والبيئة القريبة منه - كل هذا كان مُثيراً للإهتمام بالنسبة لي.

الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني،
والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ.

المتنبي عاش من عام (915 إلى عام 965 ميلادية)
شاعر عربي من العصور الوسطى

من الطب إلى العلوم الإنسانية

يتحدثُ ياسر عقل بحرارة عن سنواتِ دراستهِ، حتى أنهُ يتذكرُ تلكَ الصُعوباتِ بإيجابية. وبعد الفترة التي كان فيها طالباً مَرحاً، كان ياسر عقل ينتظرُ حياةً مثيرةً للإهتمام على حدٍ سواء، لأنهُ لم يبدأ على الفور بالقيام بما أصبح ناجحاً ومشهوراً به فيما بعد.

- أولاً، حصلتُ على (الشهادة الجامعية) - الدبلوم بدرجة طبيب، ثم أكملتُ تخصصي الدراسي الطبي، وأصبحتُ طبيباً مُتخصصاً في الطب، وعملتُ قليلاً في مهنتي. خلال تلكَ الفترة القصيرة التي كنتُ أُمارسُ فيها مِهنة الطُبِ، في كل مرةٍ شعرتُ فيها بشعورٍ غير عادي عند ولادةِ طفل. كانت هذه اللحظة مُثيرةً ذوات إهتمامٍ في حد ذاتها.

بعد تخرجي من الجامعة، في التسعينات (90)، إنتقلتُ للعيش إلى مدينة موسكو وقمتُ بمُزاولةِ الأعمال التجارية. ومع ذلك، وبعد ثلاث سنوات، عُدْتُ إلى سانت بطرس بورغ، وإنغمستُ في مُزاولةِ الأنشطة الإجتماعية، وإتخذتُ قراراً كان قد فاجأَ الكثيرين من أصدقائي.

إستحوذتْ الجُذور الشرقية وحبُّ التاريخِ عليَّ – بدأتُ بالإهتمامِ بالدراسات الشرقية وأصبحتُ طالباً في قسمِ الدراساتِ العليا (الدكتوراه). تمكنتُ من دخول كُليةِ العلومِ الإنسانية قادماً من التعليمِ الطبي. لقد تفاجأَ العديد من الأصدقاء وتساءلوا كيف إخترتُ أنا ذاكَ الطبيب إتجاهاً علمياً آخر غير التخصص الطبي. لكنَّ المعرفةَ الطبية الأساسية والنشاطَ المهني للمُترجمِ كانت مُفيدةً بالنسبة لي. كل ذلك أسفرَ إلى المزيدِ من الأبحاثِ والدراساتِ العلمية.

كيف تًصبح مُعلماً جيداً؟

التدريس بالنسبة إلى ياسر - هو فُتحة أمل ومَنفذٌ وعملٌ شاقٌ في نفس الوقت. يُحاولُ نًقْلَ الخِبرةِ والمعرفةِ إلى الطلاب وعدمِ تغيير مبادئه.

– في المقامِ الأولِ، أودُّ أن أضعَ في التصورِ معرفة المواد الدراسية والمعرفةَ الموثوق بها. ماذا يُمكنُ للمُدرسِ تعليم وتدريس الطلاب إذا كان "يعرفُ جيداً" المادة الدراسية؟ يجبُ أن يكونَ لديك أمرٌ واضحٌ لما تقومُ بتدريسهِ وتعليمهِ.

إذا كنتَ لا تعرفُ شيئاً، فلا بأس في ذلك. كُنْ قادراً على الإعترافِ بذلك. لنفترض أن الطلاب طرحوا عليك سُؤالاً صعباً، حيثُ أنك ستجدُ صعوبةً في الإجابة والرد على ذلك السؤالِ. لا يُوجدُ شيء ليتمَ التفكير به. يجبُ أن أقولَ بصراحة، "لا أستطيعُ الإجابةَ عليهِ الآن. يجبُ عليك مُراجعة وقراءةَ الكُتب والمصادرِ العلمية والأدبية، ودراسةَ السؤال والإجابةَ عليهِ في اللقاءِ المقبل."

وفي المقامِ الثالثِ - إحترامُ الطالبِ، وإحترامُ كلَّ من تعملُ معهم ومن تنقلُ إليهم المعرفة. بدون هذا، سيكونُ من الصعب إقامة أي تواصل معهم. إذ أنَّ الطالبَ جاء من أجل الحصول على المعرفة اليوم تماماً كما فعلتَ أنت في السابق. إحترمْ رغبتهُ في إستيعابه للمعرفة. وعندها فقط ستكونُ قادراً على أن تُصبحَ، في رأيي، مُدرساً جيداً.

خصائص وميزات مهنة المترجم

- مهنة المترجم لا تعني العمل الفني - "هو يتحدثُ، وأنا أُترجمُ". في معظم الحالات، يجبُ ألا تكون الترجمة حرفية. في الممارسة العملية، قد تواجهُ عباراتٍ أو مفاهيمَ لا تعرفُها أو لا يُمكنكَ ترجمتُها لأسبابٍ أخلاقية.

الإستثناءُ منذ ذلك هو الوثائق القانونية. على سبيلِ المثال، الوثائقُ التي يتمُ توثيقها عدلياً لدى الكاتب بالعدل (الموثق)، والإتفاقية الحكومية الدولية. هنا سوف تكونُ هناك حاجة لتكون الترجمة دقيقة. من خلال ترجمة كل شيء آخر، بما في ذلك، الأدبُ الفني والصحافة، فإنك تكشف عن معنى ومضمون ما قِيلَّ عن ذلك. من الضروري إستخدام تلك التعابير والكلام وأدوات اللغة التي تُميزُ اللغة التي تُترجم إليها بالضبط وأن تكون تلك الترجمة دقيقة.

تذكرْ أنك لستَ مُجردَ مُترجم للكلمات فقط. أنت تعملُ كحلقة وصل بين ممثلي الثقافات المختلفة. ويجبُ أن تعرفَ ليس فقط اللغة، ولكن قبل كل شيء، عقلية وخصائص الشعوب التي تعمل بترجمة لغاتها. ويعتمدُ مستوى التفاهم المتبادل بينهما على جُودةِ ترجمتك.

روسيا بلد الضيافة

نصيحتي هي أن تأتوا إلى روسيا. يشعرُ مواطنو الدول العربية بالراحةِ هنا. على الرغمِ من المسافة الجغرافية البعيدة، هناكَ العديدُ من أوجهِ التشابهِ بين هذه الدول. الشخصُ الروسي أقرب عقلياً إلى المواطنِ من دولِ الشرقِ الأوسطِ، على سبيلِ المثال، هو أقربُ أكثر بكثير من الشخصِ الألماني أو السويدي أو من الأشخاص الذين يُمثلونَ ثقافةَ أوروبا الغربية.

روسيا - هيَّ حقاً بلدٌ رائع. أنا أحبها كثيراً، أشعرُ دائماً بالقلقِ بشأنِ المشاكل التي تواجه روسيا، إذ أنني أسمحُ لتلك المشاكل بالمرور رغماً عن نفسي وقلبي. هذا هو بلدي، وهذه هي حياتي.

ياسر عقل هو مثالٌ حقيقي لشخصٍ يُظهرُ أنه يجبُ ألا تخافَ من التغييرِ. المسارُ والحُلمُ يُمكنُ أن يكونا بعيدينِ في بعض الأحيانِ، ولكنَّ الشيء الأهم هو ألا تُضَّيعَ نفسك وعليك أن تؤمن بكل ما تفعلهُ.

أنظر النسخة الكاملة من المقابلة على الموقع www.alumnirussia.org

٢٨.١٠.٢٠٢١
الفئات
العلامات
المقالات في مجلة HED
للأعلى