في البحثِ عن المواهب
– هناك حوالي 20 شخصاً في مختبري وهذا عدد كبير جداً. لقد رأيتُ مجموعات بحثية مكونة من 80 شخصاً، لكن هذا كثير جداً ولا يكاد يفيد. أختارُ الطلاب والموظفين بشكلٍ فردي وأنا دائماً على علمٍ بكل ما يحدث في المختبر.
أنا أبحث باستمرار عن الأشخاص الموهوبين، لأن الموهوبين هم أهم شيءٍ في أي مجموعة علمية. أنا أبحثُ عن الناس الذين يهتمون بالعلم، والذين هم متحمسون لذلك، والذين لديهم خلفية تعليمية جيدة. على الأقل، في مختبري، أنا آخذُ فقط هؤلاء الأشخاص الذين يتفوقون عليَّ بطريقة ما.
لا يمكنك فقط الخروج بفكرةٍ ما، ورميها في الهواء، وعدم إحضارها إلى الذهن وإختبارها. تحتاجُ دائماً إلى فحص وإعادة فحص لأفكارك وكذلك لتلك النتائج. هذه هي الطريقة التي يتمُ بها العلم. كل هذه أشياء روتينية، وهي ضرورية كذلك.
توازن الروتين والإبداع
- هناك روتين في أي نشاطٍ كان، بما في ذلك، في الأنشطة العلمية. من المهم جداً عدم الإنخراطِ في هذا الروتين وتقليل نسبة الروتين بأكبر قدرٍ ممكنٍ من فعاليته، وإعطاء دور أكبر لنسبة الإبداع. لكن من المستحيل التخلص منه تماماً.
أولاً، هناك الكثير من الروتين في النشاط العلمي نفسه: عند البحث في لغة الأرقام، وعند متابعة البرنامج، وإصلاح الأخطاء، وكذلك عند البحث في البيانات التجريبية، وتكرار التجربة عدة مرات، وفحص وتدقيق النتائج وإعادة فحصها. هذا هو كل شيءٍ روتيني، بطبيعة الحال. ولكن بدون هذا، فإن الرحلة الإبداعية للأفكار لا معنى لها على الإطلاق.
ولكن هناك أيضاً أشياء روتينية أخرى لا تتعلق مباشرة بالعِلمِ – وهي الأعمال الورقية والبيروقراطية. هذه هي الأشياء التي تحتاج إلى التقليل منها. إنَّ الحالات المتعلقة بفحص نتائجك والتجارب والحسابات الإضافية - لا يُمكنُ التقليل منها. والحالات المتعلقة بالأعمال الورقية يُمكنُ ويجبُ التقليل منها.
وإليك كيف يتم العمل في مختبري. عندما يكون من الضروري تقديم طلب للحصول على منحة مالية، ثم تقرير عن هذه المنحة المالية (وهذا ضروري، لأن تمويل المنحة المالية للمختبر العلمي هو عنصر لا يتجزأ في جميع أنحاء العالم)، أكتبُ فقط فيما يخصُ الجزء العلمي. يُشاركُ أشخاص متخصصون في ملئ الأوراق المالية والإدارية. أنا لا أَضَيعُ الوقت على هذا. لكنني غالباً ما أفُوض جزئياً بكتابة الجزء العلمي. يحدثُ غالباً أن أكتبَ المشروع العلمي بأكمله بمفردي، ويحدث أن أطلب من الموظفين الذين يعملون عندي بكتابة صفحتين، ثم أجمع كل النصوص في نصٍ واحد متماسك بمضمونه، وأقوم بإدخال نصوصي هناك.
حول العودة
- لسبب ما، يُعتقد أنه يمكنك الذهاب في إتجاه واحد: الذهاب إلى الغرب أمرٌ طبيعي، لكن الذهاب إلى روسيا أمرٌ غريب. في الواقع، من الطبيعي أيضاً الذهاب والسفر إلى روسيا. يذهبُ العلماء إلى مكانٍ يمكنهم فيه تطوير إمكاناتهم وتحقيق أقصى فائدة منهم.
في مرحلةٍ ما، أدركتُ أنني حققتُ كل ما يمكنني تحقيقه في أمريكا. أصبحتُ في منصب أستاذ - بروفيسور مدى الحياة، وكان لديَّ مختبر كبير، وهو الأكبر في الكلية وواحد من أكبر المختبرات في الجامعة بأكملها. ولكي أكون صادقاً، شعرتُ بالملل قليلاً، وأدركتُ بأن التطوير الإضافي سيكونُ بطيئاً جداً. وإضطررتُ إلى القيام بجزءٍ كبير من الأعمال التي تتعلق بالأوراق الوثائق بنفسي، على الرغم من أنني فوضتُ كل ما بوسعي للمسؤولين والسكرتاريين. لكن حجم الوثائق والأوراق كان كبيراً جداً. بطريقةٍ ما، أحصيتُ أنني قدمتُ 20 من الطلبات للحصول على منح مالية في سنةٍ واحدة. ثم شعرتُ وكأنني كنتُ أتحولُ إلى آلة كتابة لتلك المنح المالية. بالنسبة للأستاذ الأمريكي، هذا أمرٌ طبيعي - لكنهُ يُسببُ أضراراً هائلة بالنسبة للعلوم الأمريكية.
وأدركتُ بأنني لا أُريدُ أن أكون آلة لكتابة المنح المالية. بعد أن تلقيتُ العديد من المنح المالية التي تُقدرُ بملايين الدولارات، أثبتتُ لنفسي وللجميع أنني ناجحٌ في هذا النظام. في مرحلةٍ ما، عادتْ جميع الطلبات التي أرسلتها تقريباً بنجاح. لقد توقفت عن تحقيق وجلب الرضا وتلبية المطالب. ثم كان التواجد في هذا النظام مُملاً بعض الشيء. هذا من جانبٍ واحد.
من ناحيةٍ أخرى، فإنَّ أمريكا – هي ليست بلدي. بلدي هو روسيا. ولقد قلتُ لنفسي منذ فترة طويلة أنَّ الأمور الأخرى متساوية، اذا كنتُ أستطيعُ ان أمارس النشاط العلمي في روسيا على نفس المستوى، وتقديم نفسي وعائلتي مع نفس مستوى المعيشة كما هو الحال في أمريكا، بالطبع فإني سأعود إلى روسيا. وعندما قدمت مثل هذه الفرصة نفسها - أولاً كمنحة مالية كبيرة، ثم الأستاذية بدرجة بروفيسور في سكولتيك - كنتُ سعيداً وقد إستفدتُ من هذه الفرص وتلك الإمكانيات.
لقد كنتُ سعيداً في الغرب، ولكن في مرحلةٍ ما أدركتُ أن بيتي كان في روسيا. لن يكون هناك منزلٌ آخر. تخيل أنك تعيشُ في منزلِ شخص آخر وهذا المنزل جميل ونظيف ويوجدُ فيه كل شئ جميل. والباب المجاور، عبر الشارع، حيثُ يوجدُ فيه منزلك الخاص بك. الجص وإسمنت الجدران تتساقطُ منه، والسقف مكسور، والنوافذ مكسورة - لكنك لا تعيشُ فيه ولا تهتم به. كنتَ تعتني بمنزل شخصٍ آخر، ومنزلك بحالةٍ سيئة، لكن لماذا؟ يمكنك أن تفهم عندما لا يُسمح لك بفعل أي شيء في منزلك. نعم، تحدثُ مثلُ هذه الحالات، وليس فقط في روسيا. هناك أمريكيون يُغادرون أمريكا لأنهم لا يملكون الفرصة لفعل شيء لبلدهم هناك. وهم يعيشون كل حياتهم في مكانٍ ما في بلدٍ آخر. يحدث ذلك. عدم تحقيق الشخص لإمكانياته يمكن أن يكون في أي بلدٍ أخر. ولكن إذا تم منحك الفرصة لجعل منزلك مريحاً وجميلاً، فيجبُ عليك إستخدام هذه الفرصة. فقط في منزلك، تشعرُ بأنك شخصٌ كامل، وليس لديك أي تناقض ثقافي مع المجتمع المحيط بك. وبسببِ هذه الأسباب عُدْتُ إلى هنا. أصبح العمل بممارسة العلوم في روسيا مُمكناً على نفس المستوى العالي كما هو الحال في الغرب. هذا يكفي. وهنا أيضاً يوجدُ بيتي.
فيما يخصُ مجالات العلوم الواعدة
- أعتقدُ أن أسرع مجالات العلوم نمواً اليوم هي علوم الحياة، والذكاء الإصطناعي، وعلوم المواد. كنتُ محظوظاً بما يكفي للعمل عند تقاطع إثنتين من هذه المجالات – الذكاء الإصطناعي وعلوم المواد.
روسيا لديها آفاق جيدة جداً لتطوير هذه المجالات. لدينا الكثير من الشباب الموهوبين، والكثير من العلماء من جميع الأعمار، وهناك قاعدة جيدة لتطوير العلوم. الوضع ليس مثالياً، فهناك العديد من المشاكل – ولكنني أرى تحسينات سريعة جداً. في عدد من المراكز العلمية وفي عدد من المجالات في روسيا، يتم العلم على المستوى الأكثر تقدماً، حيث تقودها روسيا دون قيد أو شرط. تدريجياً، هناك المزيد من هذه المراكز والمجالات العلمية.
١٠.٠٩.٢٠٢١