كل ما هو معروف عن العلم. لنتعرف على الكيمياء؟الجزء 1

الصورة الرئيسية للمقالة

أولئك الذين يهتمون بالعلوم، وخاصة في مجال علوم الكيمياء، فإنَّ إسم أرتيم أوغانوف معروف جيداً بالنسبة لهم. وأولئك الذين بدأوا للتو بالإهتمام بهذا المجال سيكونون فُضوليين للتعرف على الكيميائي الروسي الذي يحملُ إسماً ذو شهرة عالمية. يشتهرُ عالِمُ البلورات الشهير، والمعلم وأستاذ الأكاديمية الروسية للعلوم، وعضو في الأكاديمية الأوروبية المرموقة بإنشاء طرق فريدة لتصميم الكمبيوتر للمواد الجديدة والتنبؤات بالهياكل البلورية، ودراسة حالات المواد عند تعرضها للضغوطات العالية. يستخدمُ برنامج الكمبيوتر أوسبكس (USPEX)  التي وُضعت تحت إشرافهِ من قبل الآلاف من الباحثين في جميع أنحاء العالم. وقد تم بالفعل تأكيدُ العشرات من توقعاته تجريبياً وأثرت بشكلٍ كبير على المعرفة الأساسية في علوم المواد، والفيزياء، والكيمياء وكذلك علوم الأرض.

نتحدثُ مع عالِمٍ معروف حول كيفية بدء مهنة ناجحة، وماذا يقوم العلم بعمله، وما هي الصفات التي يجب أن يتمتع بها العالِم العلمي من أجل النجاح بذلك، وأكثر من ذلك بكثير. نأملُ أن تعزز مثل هذه المناقشات الشيقة والصادقة حول جوانب مختلفة من العلوم بالرغبة في تكريس الحياة للباحثين والمتخصصين في روسيا.

بإختصار عن السيرة الذاتية

بعد التخرج بنجاح من كلية الجيولوجيا في جامعة موسكو الحكومية في التخصص الدراسي: "علم البلورات وكيمياء البلورات"، عندما كان عمرهُ 23 عاماً، غادر أرتيم أوغانوف وحصل على منحة دراسية ليدرس في الغرب. في كلية لندن الجامعية، دافع وناقش عن أطروحة الدكتوراه، ثم درس في معهد زيوريخ للفنون التطبيقية وحصل فيها على درجة دكتوراه في العلوم (دكتوراه في العلوم الفيزيائية وكذلك الدكتوراه العليا في الرياضيات في روسيا). وفي عام 2008 ميلادية - أصبح بروفيسوراً - دكتوراً في الجامعة، وفي عام 2010 ميلادية – بروفيسوراً في جامعة ستونيبروك في ولاية نيويورك.

في عام 2013 ميلادية، فاز العالِمْ الأكاديمي بمنحتين ماليتين كبيرتين – في روسيا والصين، في عام 2014 ميلادية، إنتقل إلى روسيا، وأصبح بروفيسوراً في معهد سكولكوفو للعلوم والتكنولوجيا. ومنذ عام 2020 ميلادية، كان أيضاً بروفيسوراً في الجامعة الوطنية للبحوث التكنولوجية، ومنذ عام 2021 ميلادية - رئيساً لقسم مختبر كيمياء الكريستال في معهد الجيوكيمياء، والكيمياء التحليلية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم.

من بين العديد من الجوائز والتقديرات التي حصل عليها أرتيم أوغانوف هي جائزة الصداقة المقدمة من الحكومة الصينية. في عام 2015 ميلادية، تم إنتخابه بروفيسوراً للأكاديمية الروسية للعلوم، ومنذ عام 2017 ميلادية– إنتُخبَ عضواً في الأكاديمية الأوروبية، في عام 2020 ميلادية - إنتُخبَ بعضوية كاملة (زميلاً) في الجمعية الكيميائية الملكية والجمعية الفيزيائية الأمريكية. قام بالإشراف على تدريب 16 من الطلاب من حملة درجة الدكتوراه وطالب عدد 1 من حملة درجة الدكتوراه العليا في العلوم.

أصبح أوغانوف أصغر حائز على الجائزة الدولية "سوغلاسي""، التي تمنحها المنظمة العامة لعموم روسيا "إتحاد الأرمن في روسيا" بدعم من الحكومة الروسية.

الحلم الكبير

- حلمتُ بأن أصبحَ عالماً أكاديمياً منذ الطفولة المبكرة جداً، منذُ سن 4 سنوات. كنتُ مفتوناً بالكتب العلمية الشهيرة التي كانت في مكتبتي المنزلية. تعلمتُ أنا وأخي القراءة مبكراً، وأحببنا تصفح الكُتب وقراءتها ومطالعتها. كان لدينا جميعُ أنواع الكتب. قدمتْ لنا أمي مجموعة متنوعة من الأشياء – الشِعْرَ، والرسمَ، والتاريخ، والعلوم، من أجل فهم ما نميلُ إليه، وما ننجذبُ إليه، وكان ذلك من أجل مساعدتنا لتحقيقِ أحلامنا. كتابُ الكيمياء أثار إنتباهي ليس فقط من خلال الصور، ولكن أيضاً مع النص المكتوب فيه بشكلٍ جميل. تم وصف العناصر الكيميائية هناك، وكيف تحْدُثُ كذلك في الطبيعة، وكيف تُظهرُ نفسها، وما هي الخصائص التي تمتلكها.

هكذا أصبحت مُهتماً بالكيمياء في طفولتي المبكرة جداً وطوال حياتي لم أكن أرى نفسي سوى عَالِمٌ أكاديميٌ. سرعان ما كنتُ أقرأ بالفعل مجلة "الكيمياء والحياة" وغيرها من الكتب الأخرى، وفي سن 6-8 سنوات ذهبتُ إلى محاضرات في الكيمياء في متحف البوليتكنيك ومعهد مينديليف.

أعتقد أن هذه هي الطريقة الأكثر صحة وعالمية لتعريف الطفل بالمعرفة. لكي تكون لديه الرغبة حتى يكون مُهتماً بقراءة الكتب، والذهاب إلى المحاضرات، بحيث يكون من المثير للإهتمام العيش عُموماً.

التنبؤ: السحر أو العلم؟

- إنَّ التنبؤ - هو أحد وظائف العلم. يجب أن يُعممَ العلم، وأن يتم شرحه والتنبؤَ به. ولذلك، فإن أي تخصص علمي دراسي متطور لديه جهاز تنبؤ خاصٌ به.

في علم البلورات، لم يتم تطوير مثل هذا الجهاز التنبؤي إلا قليلاً حتى وقت قريب. كان يُعتقدُ أن التنبؤ بالهياكل البلورية أمرٌ مستحيل، وأنَّ المشكلة غير قابلة للحل.

في الوقت نفسه، إذا كانت البُنية والهيكل معروفاً، فقد كان من الممكن منذ فترةٍ طويلة حساب قائمة ضخمة من الخصائص بإستخدام طرق ميكانيكية الكم المعقدة. ولكن، مرةً أخرى، لا يمكن القيام بذلك إلا إذا كان هيكلها وبنيتها معروفة. لكن التنبؤ بالهيكل والبُنية نفسها كان يعتبر مستحيلاً بشكل أساسي.

إذا تحدثنا عن روسيا، فقد عانت علوم الحوسبة كثيراً من نقص أجهزة الكمبيوتر العملاقة هنا حتى وقتٍ قريب. والسببُ في ذلك واضح – هو تعديلات جاكسون - فانيك في القانون الأمريكي، الذي حظرَ لسنواتٍ عديدة بيعَ أجهزة الكمبيوتر العملاقة إلى الإتحاد السوفياتي، ومن ثم حظرُ بيعها إلى روسيا. في أواخرِ فترةِ الإتحاد السوفيتي، وفي التاريخِ المُبكرِ لروسيا ما بعد حقبةِ الإتحاد السوفيتي، كان هناك نقصٌ حاد في موارد الكمبيوتر العملاقة لدى العلماء الروس. وفي وقتٍ لاحق، تم إلغاء هذه التعديلات، وإختفت العديد من المشاكل. على مدى السنوات 10-15 الماضية، ظهرت في روسيا مجموعة كاملة من العلماء الذين يعملون على المستوى الدولي في هذا المجال.

ولكن سأعودُ إلى حيث بدأتُ. إذا كان التنبؤ بالخصائص بواسطة بُنية معينة قد تم إعدادها بشكلٍ جيد لمعظمِ هذه الخصائص، فإن التنبؤ بالتركيبة والبُنية يُعتبرُ ذلك أمراً مُستحيلاً. لكنني أظهرتُ أنه يُمكنُ أيضاً التنبؤ بالتركيبة والبُنيةِ عندما طورتُ في عام 2005 ميلادية مع طالبي الذي أُشرفُ عليه، وفي عام 2006 ميلادية، نشرتُ طريقة لحل هذه المشكلة. الآن يمكننا التنبؤ بالتركيبة والبُنية من خلال تكوينٍ معين. قُمتُ بإعدادِ صيغة كيميائية -وبأنَّ برنامجي سيخبركم بهذه التركيبة، والتي يمكنك بعد ذلك حساب قائمة ضخمة من الخصائص فيها. حتى من دون أن تلمس هذه المادة باليد، وسوف تكون قادراً على وصفها وتمييزها.

ثم قمت بتطوير هذه الطريقة بشكلٍ أكبر. ولم تعد هناك حاجة إلى تشكيل صيغة كيميائية -تحتاج فقط إلى معرفة العناصر التي تهتم بها والظروف المحيطة بها (الضغط، ودرجة الحرارة). وفي ظل هذه الظروف، سيجدُ لك البرنامج جميع الإتصالات المستقرة لهذه العناصر. يمكن القول بشكلٍ مشروط بأنَّ هذه الطرق والأساليب التي قمت بإنشائها للتنبؤ بالهياكل البلورية (الكريستالية) قد أدت إلى إستنتاج علم البلورات النظري، وكذلك تصميم المواد إلى مستوى تنبؤي جديد من حيثُ النوعية.

ما هي الفائدة منه؟

– حتى في ظل الظروف الطبيعية والعادية، ليست كل المركبات معروفة – حيثُ يكتشف العلماء بإستمرار مركبات جديدة. كما أنَّ الفرز ممكنٌ من خلال جميع التوليفات من جميع العناصر والعثور على جميع المُركبات المستقرة تجريبياً وهي مُهمة ومُكلفة للغاية. ولفرز كل هذه المُركبات، وكذلك للعثور على أفضل المواد لأغراض مختلفة – على سبيل المثال، المواد الصلبة، والأكثر دواماً أو أكثر المواد مغناطيسية، وأفضل المواد لتكنولوجيا الليزر، وغيرها من المواد الأخرى - بالكاد تكونُ قابلة للحل على الإطلاق.

يمكننا إستخدام جهاز كمبيوتر للتنبؤ بالمُرَكَبات التي تحتوي على أفضل الخصائص (من بين جميع المُرَكَبات المعروفة وغير المعروفة) لبعض الأغراض المحددة. فمثلاً، المواد التي هي أصعب من كل ما يمكن فتحها والتي لم تفتح بعد؟ يمكننا أن "نسأل" جهاز كمبيوتر مثل هذا السؤال، وسوف يقولُ لك أنك لن تجد أي شيء صلب أكثر من الألماس. وبطبيعة الحال، بين المواد البلورية (الكريستالية). ولكن بالإضافة إلى الألماس، سوف يتنبؤُ بالعديد من المُرَكَباتِ الأخرى التي ستكون صعبةً للغاية، بما في ذلك، المُرَكَباتِ التي لم يكشتفها الإنسان بعد. حيثُ يتنبؤُ الكمبيوتر بها، ثم يذهب الشخص إلى المختبر ويقوم بجمعها.

وبالتالي، فإنَّ أول شيء يحتاجُ إليه هو إنشاء مواد جديدة ذات خصائص قياسية. لأن الفرز من خلال كل شيء هو عمل تجريبي، كما وأنَّ القيام بأعمال التوليف يستغرقُ وقتاً طويلاً، ثم إجراء قياسات للخصائص هو أمرٌ مكلفٌ للغاية.

وثانياً، يمكننا دراسة المادة في ظروف تكون فيها التجارب عموماً على وشك أن تكون ممكنة. على سبيل المثال، من الصعب جداً إجراء تجارب تحت ضغوط عالية. والضغوط العالية محفوفة بالكثير من الظواهر الكيميائية الجديدة غير المدروسة بشكلٍ كامل، والتي من المهم جداً فهم طبيعتها، وذلك لأن حصة الأسد من مسألة كوكبنا، والكواكب الأخرى، تتعرض لضغوط عالية. لن نفهم أبداً ما يحدثُ على هذه الأرض التي نعيشُ عليها، وكيف تتطور، وكيف يتم ترتيبها، وما هي العمليات التي تحدث فيها، حتى نفهم خصائص وسلوك المواد عند عمليات الضغط العالية، ودرجات الحرارة العالية المميزة لكوكبنا.

بالإضافة إلى ذلك، هناك حالات ومواقف صعبة أخرى يصعب فيها إجراء تجربة اليوم. والنظرية يمكن أن تفسر الكثير، وكذلك التوضيح، والتنبؤ. على سبيل المثال، بُنية وخصائص الجسيمات النانوية والأسطح البلورية وحدود الحبوب. ومن الصعب للغاية إجراء تجربة هنا. إذ أنَّ التجربة لا تُوفرُ دائماً معلومات كاملة - وتسمح لنا أساليبنا بتوصيف حالات المادة هذه بشكلٍ كامل.

١٠.٠٩.٢٠٢١
الفئات
العلامات
المقالات في مجلة HED
للأعلى