من بين خريجي الجامعات الروسية، يُمكنُ للمرء أن يجد العديد من الشخصيات البارزة، وكذلك المتخصصين المؤهلين تأهيلاً دراسياً عالياً في مختلف مجالات المعرفة والعلوم. وبعد عودة هؤلاء الخريجين إلى أوطانهم، فإنهم يعملون لصالح أوطانهم ويُصبحون مُرشدين للأجيال الجديدة من المهنيين من جيل الشباب. اليوم، أحمد سعيد عامر، خريج من جامعة نيجني نوفغورود الحكومية للهندسة المعمارية والهندسة المدنية، ضيف في عدد مجلة HED_people .أحمد سعيد عامر أستاذ مُساعد في قسم التصميم المعماري في كُلية الهندسة في جامعة المنوفية (شبين الكوم، مصر)، ومُستشار في تصميم وتنفيذ وبناء المباني، وهو خريج من جامعة نيجني نوفغورود الحكومية للهندسة المعمارية والهندسة المدنية.
روسيا - ومصر: مسار نحو التقارب
الدراسة في روسيا أصبحت مرحلة مهمة جداً في حياتي. لقد كانت مرحلة صعبة وغير سهلة على الإطلاق، تمكنتُ من التغلب عليها بمساعدة الله سبحانه وتعالى.
خُذْ على سبيل المثال اللغة الروسية. يتطلبُ منك ذلك تعلم لغة جديدة، والإندماج في ثقافة غريبة عليك وغير مألوفة بالنسبة لك، وبناء علاقات مع الزملاء، ومع زملائك الطلاب جهوداً كبيرة بهذا الخصوص. لا يُمكنُ أن يكون هناك أي شيء أكثر أهمية من الدافع في تعلم اللغة الروسية، إنهُ صعب للغاية. إنَّ قول كل هذه الكلمات الطويلة والمعقدة هو إختبار مستمر ومتواصل.
كنتُ محظوظاً لأنَّ عائلتي قدمتْ لي أكبر دعم أثناء فترة دراستي، وإنتقلتْ زوجتي للعيش معي ورافقتني أثناء فترة دراستي. كما سهلتْ عليَّ وساعدتني المساعدة التي كانت من المعلمين، ومن الزملاء وحتى من الجيران إلى حدٍ كبير على عملية التكيّف والتأقلم في بلدٍ جديد.
أو على سبيل المثال، جُودةُ التدريس والمُتطلبات التي يجبُ على الطلاب القيام بها. مثلاً: حدث لي أن حضرتُ إحدى مناقشات الدفاع عن أطروحة الدكتوراه العلمية. وقد صُدمتُ من مدى جدية مسألة تدريب المتخصصين هنا. في تلك اللحظة، أدركتُ أنهُ لن يكون ذلك سهلاً عليَّ.
تقولُ إحدى الأساطير الأكثر واقعية حول روسيا بأنَّ روسيا هي بلد شديد البرودة. وهذا ما تأكدتُ منه حقاً من خلال تجربتي.
إذْ أنَّ الشتاء الروسي هو شتاء قاسٍ وبارد للغاية. ومع ذلك، فإنَّ الشعب الروسي هو شعب ودود للغاية. لقد رأيتُ هذا من خلال تجربتي الشخصية.
في البداية، تم إرسالي إلى جامعة الشرق الأقصى الإتحادية. درستُ فيها اللغة الروسية في المناطق الشرقية لروسيا في جزيرة روسكي. وكان يتوجبُ عليَّ هنا إدراك حجم ومِساحة هذا البلد الكبير. كان مكان إقامتي التالي هو في مدينة نيجني نوفغورود، وهي مدينة جميلة تقعُ على نهر الفولغا. وبشكلٍ عام، أنصحُ أي شخص يُسافرُ إلى روسيا أو موجود في روسيا بزيارة أكبر عدد مُمكن من المدن المختلفة. إنهُ لأمرٌ مُدهش كيف يُمكنُ أن يكون هذا البلد مُختلفاً ومتنوعاً.
كثيراً ما أسألُ "لماذا روسيا؟". وماذا يُمكنني أن أقول؟ ولماذا لا؟ روسيا – هي بلدٌ رائع ذو جو ترحيبي وثقافة غنية، وتاريخ يعودُ إلى قرونٍ من الزمن. كما أنني وقعتُ في حُبِ الطعام والمأكولات الروسية، وخاصة، حَساء البورش، وأكل السمك، الذي يتمُ طهيه وطبخه هنا بشكلٍ رائع.
قضيتُ ثلاث سنواتٍ وتسعة أشهر في روسيا. تعاملتُ مع الناس الروس في العمل، وفي الدراسة، وفي الشارع، وفي السوق، وفي البنك. الروس – هم أُناسٌ طيبون حقاً. إنهم فخورون بأنفسهم وبتاريخهم. كما أنهم يُحافظون على هويتهم ويتبجلون ويفتخرون بتقاليدهم وبعاداتهم. وبالطبع، تُؤثرُ جميع الظروف السياسية الخارجية في السنوات الأخيرة على كيفية رؤية الناس في العالم لهذا البلد ولشعبه، والأهم من ذلك كله، هو تطوير العلاقات الثقافية والتعليمية بين بلدينا.
تتمتعُ مصر وروسيا بتاريخ غني من العلاقات الثنائية. وهكذا، فإنهُ خلال فترة رئاسة جمال عبد الناصر، تم إتخاذ مسار نحو التقارب بين الشعبين المصري والروسي. حيثُ رافقَ هذه الفترة تطور للعلاقات الإقتصادية، والثقافية، والعلاقات الإنسانية. كما أننا نشهدُ اليوم زيادة في الإهتمام المشترك لتطوير العلاقات بين بلدينا.
كما تتعاونُ وزارة التعليم العالي في مصر بنشاط مع وزارة التعليم العالي والعلوم في روسيا. إذ أنَّ وزير التعليم العالي المصري الحالي، الأستاذ البروفيسور محـمد عاشور، درس في روسيا وحاصل على درجة الدكتوراه في الهندسة المعمارية. ويُمكنُ لأي شخص السفر للدراسة في الجامعات الروسية بعد الحصول على منحة دراسية من حكومة روسيا الإتحادية.
كما أودُ هنا أن أغتنم هذه الفرصة لأشكر جميع الذين ساعدوني ودعموني. ومنهم زوجتي، التي لم تكن خائفة من السفر معي في هذه الرحلة الطويلة. وكذلك أتقدم بالشكر إلى المشرف العلمي، الأستاذ البروفيسور نارينكوف، وكذلك الأستاذة البروفيسور آنا جيلفوند، والأستاذة البروفيسور أولغا أوريلسكايا. وكذلك أشكر كل هؤلاء الأشخاص الذين لم أتمكن من ذكر أسمائهم ولكن القدر كان قد جمعني بهم.